المقالة _ أو المقال _ باب عظيم من أبواب العلم، وطريق واسع لنشر الفكر والتأثير في الناس.ولقد عُرفت بعد ظهور المطابع، وانتشار الصحافة في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، وذلك حين أنشئت صحيفة الوقائع المصرية، ثم بلغت الصحافة أوجها في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، حيث ازدهرت حركتها في البلاد العربية، وصارت عِمَادَ الكُتَّاب، والأدباءِ، والقالبَ الذي يصبُّون فيه أفكارهم، وينشرونها بين الناس. وليست المقالة غريبة عن الأدب العربي القديم _ وإن تغيَّرت صيغها، وشروطها_.فعبدالحميد الكاتب حين كان يتكلم عن الصيد، أو الكتابة كان يكتب شيئاً قريباً من المقالة، والفصول الأدبية التي أنشأها ابن المقفع في الأدب الصغير والأدب الكبير كانت أشبه بالمقالات المطوَّلة.وكذلك صنيع الجاحظ في البخلاء، والبيان والتبيين، والمحاسن والأضداد؛ فهي مقالات مطوَّلة تنقصها بعض شروط المقالة الحديثة.أما في العصر الحديث فقد أخذت المقالة لوناً آخر؛ فصار لها طابع مميَّز؛ فهي قطعة نثريَّة يعرض فيها الكاتب قضيةً أو فكرة بطريقة مُنَظَّمة مشوِّقة.والمقالة محدودة الحجم، لا يتوسَّع فيها الكاتب كثيراً.أما موضوعاتها فكثيرة متنوِّعة؛ فهناك المقالة الدينيَّة، التي يتناول كاتبها باباً من أبواب الدين سواء كان في الاعتقاد، أو الأحكام، أو السلوك، أو الأخلاق، أو السيرة، أو يكتب عن قضيَّة من قضايا الإسلام والمسلمين، أو نحو ذلك.وهناك المقالة الاجتماعية، وهي التي يعالج فيها كاتبها أدواء المجتمع، وأمراضه كالجهل، والفقر، والعادات السيئة، ونحو ذلك؛ فيشخِّص تلك الظاهرة، ثم يقوم بتحليلها، وعرضها بطريقة تجتذب القارئ، ثم يتوصَّل من خلال ذلك إلى العلاج.وهناك المقالة السياسيَّة التي تتعرَّض لتحليل موقف، أو قضيَّة، أو ما شاكل ذلك.وهناك المقالة النَّقديَّة، وهي التي يَعْمَدُ صاحبها إلى نَقْدِ عملٍ علميٍّ، أو أدبيٍّ نقداً يجلو محاسنه، ويكشف عن عيوبه بأسلوب مبنيٍّ على أساس من الإلمام بالضوابط والمعايير النَّقديَّة.والمقالة النَّقديَّة إذا أحسن كاتبها، وَوُفِّقَ في طريقة نقده كانت مدرسة للتهذيب.وهناك المقالة الوصفيَّة، وهي أرحب ميداناً؛ لأن كاتبها يستطيع أن يتناول أيَّ مجال من مجالات الحياة، فيصفه وصفاً يصوِّره لمن لم يره، وكأنَّه يراه رأيَ العين.غير أنَّ هذا النوع يُحتاج فيه إلى دقَّة الملاحظة، وصدق التصوير، وشمول النظرة.وبالجملة فموضوع المقال يتَّسع لكلِّ شيء في الوجود من تعبير عن عاطفة، أو رغبة، أو رهبة، أو فكرة.وهناك تقسيم آخر للمقالة، حيث يقسمها بعض النُّقَّاد والأدباء إلى نوعين كبيرين: أحدهما: المقال الذاتي، أو المقالة الذَّاتيَّة، والآخر هو المقال الموضوعيُّ، أو المقالة الموضوعيَّة.أمَّا المقال الذَّاتيُّ فهو الذي يرتبط بالكاتب، فَتَظْهَرُ من خلاله شخصيَّتُهُ قويَّةً آسرةً؛ حيث يعرض لبعض القضايا ممزوجة بمشاعره، ويستخدم فيه الأسلوب الأدبيَّ.أمَّا المقال الموضوعيُّ فيُبْعِد فيه الكاتبُ عواطفَه، وقضاياه الشَّخصيَّة، فَتَنْصَبُّ عنايتُه على الموضوع، ويقدِّم الحقائق كما هي، ويستخدم الأسلوب العلميَّ، فيجمع مادَّته، ويرتِّبها، ويعرِضها بصورة منطقيَّة متسلسلة، وبعبارات واضحة.غير أنَّ الفصل بين هذين النوعين قد يكون صعباً؛ فالمقالة تنسب إلى أظهر الموضوعين، أو إلى السبب في إنشائها، وهذا قد يخفى إذا لم يدلَّ اللفظ عليه.ثم إنَّ هناك بعضَ الاختلاف بين مقالة الصَّحيفة ومقالة المجلَّة؛ فبينما تتَّسم مقالة الصحيفة باليسر والسهولة في لفظها وأسلوبها فإنَّ العمق، والجزالة، من سمات مقالة المجلَّة.والمقالة الصَّحفيَّة زادٌ يوميٌّ قد ينتهي بانتهاء يومه غالباً، بينما مقالة المجلَّة تحمل قابليَّة البقاء، بل هي أقرب إلى البحث، بل قد تكون بحثاً.ومقالة الصحيفة طابِعُها القِصَر، ولا يُصَارُ فيها إلى الإطالة إلا نادراً، وعكسها مقالة المجلَّة.وهكذا عُرِفَت المقالة، وصار لها منهجها المميَّز، وطريقتها التي سار عليها الكُتَّاب إلى يومنا الحاضر([url=#_ftn1][1][/url]).ولا ريب أنَّ الفترة الذَّهبيَّة للمقالة كانت _ كما مرَّ ذكره _ في النِّصف الأوَّل في القرن الرابع عشر إلى ما يقارب العقد السابع من ذلك القرن؛ حيث ازدهرت، وراج سوقها في كثير من البلاد العربيَّة خصوصاً في الشام ومصر، وظهر في ذلك الوقت كُتَّاب أفذاذ يضارعون الكُتَّاب الأوائل في أساليبهم الراقية، وتحريراتهم العالية. [ltr]وفي ذلك الوقت حرصت الصحفُ والمجلاَّت على استقطاب أكابر الكُتَّاب والعلماء؛ فصارت ميداناً فسيحاً لنشر الأدب، والعلم، والنَّقد، والرُّدود، وما جرى مجرى ذلك[/ltr]
[ltr]منقول للامانة العلمية
[/ltr]
[url=#_ftnref1][/url]([1]) انظر =في الأدب الحديث+ لعمر الدسوقي، 1/514_525، و=الأدب العربي وتاريخه _ العصر الحديث+، د.محمد بن سعد بن حسين، ص88_91، و=النقد الأدبي+ د.عبدالباسط بدر.