بينما آلات بسكال و لايبنيتز تقوم بعمليات حسابية لكنها لا تقبل برامج، و أن منسج جاكارد يقبل برامج مخزونة لكنه لا يقوم بعمليات حساب (بل ينفذ تعليمات نسيج)، فإن الآلة الموالية، التي ندرسها فيما يلي، تقوم بعمليات حسابية و تخضع لبرامج مخزونة. في أواخر القرن التاسع عشر، كان الممارسون في الهندسة و المحاسبة و غيرها من الميادين المبنية على عمليات حسابية، يقومون بجل العمليات الحسابية بواسطة جداول وقع تأليفها سابقا. كانت هذه الجداول صعبة و بطيئة الإستعمال، و كانت غالبا ملئانة بالأخطاء.
قام العالم البريطاني شارل بابّج (الذي عاش من سنة 1792 إلى سنة 1871) بتصميم آلة حاسوب، تقوم بعمليات حسابية متتالية حسب تعليمات معينة، و بادر بإنجازها إبتداء من سنة 1822، بفضل تمويل و تشجيع الحكومة البريطانية؛ ألقى بابج على هذه الآلة إسم محرك الطرح. تتكون هذه الآلة من دواليب مصفوفة تدور بعضها بعضا، و كان بابّج ينوي إستعمالها قصد تقييم وظائف عددية مبنية على عمليات الجمع و الطرح و الضرب. بعد إحدى عشر سنة، عدل بابّج عن صنع هذه الآلة قبل أن يتم إنجازها تماما، و وجه إهتمامه لآلة أخرى.
إنتداء من سنة 1833، شرع شارل بابّج في تصميم آلة حاسوب ثانية، ألقى عليها إسم محرك التحليل، مستعملا الدروس التي تلقاها في إنجاز محرك الطرح. تتكون هذه الآلة من خمسين ألف قطعة، و هي أرقى بكثير من حيث تصميمها و خدماتها و إمكانياتها. الجدير بالذكر أن من خلال هذه الآلة، سطر العالم شارل بابّج أهم أسس معمارية الحاسوب العصري، بما فيها الأربعة مقومات الأساسية: وحدة المعالجة، وحدة الخزن (الذاكرة)، وحدة القراءة (لجلب البيانات الواردة) و وحدة الكتابة (لنشر البيانات الصادرة). كانت وحدة المعالجة تقوم بالعمليات العددية العادية و كانت الذاكرة تستعيب ما لا يقل عن ألف عدد ذات خمسين رقم. هذا و كانت الآلة تقبل البيانات الواردة في شكل لوحات مثقوبة و تنشر البيانات الصادرة عن طريق آلة طبع. كان شارل بابّج ينوي بناء هذه الآلة لكي تسير بواسطة البخار، و كان يتوقع أن يكون حجمها يساوي تقريبا حجم محرك القطار. بالرغم من أن هذه الآلة لم يتم إنجازها، فنعتبرها أول حاسوب، لأنها تمثل أهم الأفكار و المفاهيم التي يتسم بها الحاسوب العصري.
بينما كان في مخاض تصميم و إنجاز محرك التحليل، إلتقى شارل بابّج بالعالمة البريطانية أوغسطا آدا بايرون (التي عاشت من 1815 إلى 1852)، التي تأثرت كثيرا بمشروعه، و أدركت أبعاده و آفاقه. كما أنها تكهنت بأن محرك التحليل، عندما يتم إنجازه، سيكون قادرا على تأليف الألحان الموسيقية، و معالجة الصور و التكهن بالمظاهر الطبيعية و تطبيقات علمية و هندسية. كما نعلم اليوم، فإن تكهنات أوغسطا آدا بايرون كلها تحققت. من أهم مساهمات السيدة آدا في تاريخ المعلوماتية هي أنها عرضت على بابّج برنامجا يمكن تنفيذه على محرك التحليل قصد إستخراج قيمات وظائف هامة معروفة بإسم أعداد برنويي (يقال أن هذه العالمة كانت الشخص الوحيد، بالإضافة لبابّج نفسه، الذي يفهم سير و تسيير محرك التحليل). بالرغم من أن محرك التحليل لم يتم إنجازه، يعتبر المؤرخون أن البرنامج الذي كتبته أوغسطا آدا بايرون لتقييم أعداد برنويي هو أول برنامج كُتب في التاريخ، فقيل عن أوغسطا آدا بايرون أنها أول مبرمج في التاريخ. في أواخر السبعينات (من القرن العشؤين) نظمت وزارة الدفاع الأمريكية مناظرة دولية لبعث لغة برمجة جديدة، ففاز بالمناظرة فريق فرنسي ألقى على لغته إسم آدا، تكريما لأوغسطا آدا بايرون.